السبت، 11 يناير 2014

تن تن ..القصة كاملة

"تن..... تن - الثانية صباحا"
على الرغم من توحش الصيف فى السنوات الأخيرة الا أن ولائى له لم يتغير... وفى الوقت نفسه لم ينجح الشتاء أبدا فى كسب تعاطفى .. منذ بلغت الثامنة  كانت  كل  طرق التدفئة التقليدية واللاتقليدية يقابلها الفشل الذريع بدءا من  الدفاية الحرارية  الى البطانية وقربة المياه الساخنة المصاحبين لى فى كل مكان.. ومع مرور ايام الشتاء الباردة القصيرة اعتاد على الجلوس كعجوز متآكلة السنوات متلفحة متوثرة .. اشاهد اطرافى تزرق وتجف، اتذكر الى الان حرقة الجلسرين النارية فى مواجهة جلدى للتخلص من الخشونة التى تحول اطرافى الى حوافر متوحشة...
 
.دائما كنت اكره الشتاء.. بضبابه وظلامه المبكر، ببرودته التى تنتقل لدهشتى الى كل ما هو انسانى...
 
وربما  اكرهه اكثر لان غربته  تذكرنى بغير استحياء بافتقادى الى جسد يعانقنى ويلهب اجوائى.... اليس كذلك ؟..دائما كنت اتساءل هل  تزيد البرودة من احساسنا باليتم والخواء ام  ان  الخواء هو الذى يزيد البرد قسوة خشونة؟  
ايا كان..فقد كرهت دائما هذه الدائرة المغلقة من البرد والخواء يتبعه البرد يتبعه الخواء دون معرفة اى بداية بغيضة قبل الاخرى.
 
..  ولكننا لسنا فى الشتاء بل فى عز يوليو ... ولا يوجد تكييف ولا مروحة حتى تعمل  فى اى مكان.. كل الظروف مهيئة  لمزيد من العرق والرطوبة والسخونة. فما سر تلك القشعريرة الباردة التى تلازمنى اذا؟
 
 نظرت إلى جسدك الملقى الى جانبى فى اهمال  ...زفرت فى زهق ...  على الرغم من ابتعادى الى الحافة الا ان تلك الطاقة الباردة التى تنفجر منك زحفت الى حدود جسدى  واحاطت بى كحوائط زنزانة تضيق فى بطء على حدود  جسدى حتى تكاد تسحقه.... اغمضت عيناى ..حاولت ان اركز فى الظلام على لون الغرفة الازرق الذى اخترته بنفسى  وكرهته انت على الفور، واحببته انا اكثر لذلك..... اندمجت مع الحوائط للحظات الا انه فى جدار عيناى انطبعت صورة وهمية تماثل فى رسمها نفس تفاصيل جسدك... اغمضت جفنى بشدة حتى كادت مقلتاى تنفجران.. ولكننى نجحت فى فرض ظلام بلا الوان  بدأ يسيطر فى هدوء.. انسحبت الصورة الباهتة من جدار جفنى.... وكدت ادخل الى هدوء الظلام.... رويدا..رويدا......
 
 
" تن... تن.... تن  - الثالثة صباحا"
 صوت شخير يعلو فى تتابع منتظم ..ذكرنى على الفور بالصينين عندما كانوا يعذبون المساجين بقطرات من  الماء تسقط على رؤوسهم قطرة بعد الاخرى حتى تنفجر رأسهم من الجنون....حملقت بعيناى فى الظلام  فى يأس.. لم يكن هناك مفر.
فى هدوء وحتى لا اوقظك ونبدأ حديث ممل بعد ان اخيرا اكتفيت فقط بشخيرك ، مددت جزعى الى الوراء واستندت برأسى على وسادتى، اخذت افكر كيف انتهى بى الامر الى هذا الحال، سجينة فراشى .... اسوأ ما يمكن ان تعطيه لك الحياة، ان تكون مسجونا فى غرفة مفتوحة الابواب...غير قادر على النوم والهرب الى اللاوعى الرائع ولا على الاستيقاظ ومواجهة الوعى التعس... اما قمة التعاسة هو ان تكون وحدك فى هذه الدائرة بلا نهاية...والى جانبك جسد بارد فى كوكب اخر...يستغرق فى النوم وكأنها اخر ليلة فى الحياة...
 
"تن....الثالثة والنصف صباحا"
لا يمكن ان تكون ثلاثون دقيقة من الارق فقط، تبدو وكأنها اياما عديدة فى الظلام، كل يوم مزيدا من الارق، ساعات اقل فى الابتعاد عن الوعى المزعج ... افتقد الى الحلم بشدة، الاحلام هى وسيلتى الوحيدة لاستعادة توازنى العقلى..احتجز اثارتها فى يقظتى حتى نتقابل مرة اخرى .
... قد أمر بواحدة من أحلامى المعروفة أو قد يكون هناك بعض التجديد...عادة احلم بوالدى.. نفس الحلم.. اننا فهمنا ما حدث خطأ ، انه لم يمت فعلا وانه كان ... مختفيا بشكل ما.. او مسافرا.. لا اعرف .. ولكنه دائما يظهر مرة اخرى، ويعود وكأنه لم يرحل.. اتأمل تفاصيله..ملامح وجهه السمراء...استرجع كل تلك الايام والاحداث بدونه، واعيشها مرة اخرى فى الحلم واسترجع معه كل دقائقى المحيرة واصل الى بعض السلام.... ربما يسعدنى اللاوعى ويقدم لى حلمى المفضل بأننى أرحل بعيدا...اهبط من بيتى فى الطابق الثالث بعد تحويل حبال الغسيل الى حبال سميكة تشبه فى شكلها سيقان اللبلاب العملاق و يمكن بذلك استعمالها للهرب ، .. وعادة ما اكون حافية ... وما اكاد اهبط الى الارض حتى تنعشنى برودة الاسفلت بعد يوم ممطر لتتخلل نداوته باطن قدمى..اعدو فى الطرقات مفتوحة الذراعين والهواء يتخلل خصلات شعرى الحرة والنسمات الباردة تداعب بشرتى وتدفع إلى ببعض الحياة.
 
الأحلام أصبحت واحدة من الطقوس الحيوية بالنسبة لى وغيابها يحرمنى فرصة الهروب والراحة والإستعداد لمواجهة يوم جديد.
 
والآن منذ أصبح جسدك يجاور جسدى كل ليلة................لم اعد أحلم
 
وكأن خلايا بشرتك تطلق نوعا من الطاقة السلبية و تمتص كل قدرة لدى على الحلم
 
"تن ..تن... تن...تن...الرابعة صباحا"
القشعريرة الباردة لازالت تحيط بى، بعض الذكريات ... التمس  بعض الدفء من سنوات الصفحات البيضاء .. فى الرابعة والعشرون ، كنت افكر فى الزواج مثل كل الفتيات، ولكن افكارى كانت تنحسر فى الثوب الابيض والمشاعر الساخنة التى سأختبرها للمرة الاولى فقط لا غير. لم اكن اريد الزواج فعليا... كنت سريعة الملل وقليلة الاحتمال...
فى الخامسة والعشرون  اعجبنى احد اصدقاء صديقتى، كان طويل القامة، النوع الذى احبه فى احلامى... وكان يبدو وكأن الشعب المصرى كله يعتمد عليه ...كان رجلا  يمكن الاعتماد عليه، وعندما احسست ان صديقتى ستبدأ فى الاعجاب به قررت  ان اتزوجه ودفعته  لخطبتى.. نعم كان الامر بهذه البساطة... وبعد اسابيع قليلة اكتشفت ان القوانين التى نضعها فى عقلنا والمبادئ النظرية تتحول عند مقابلتها للواقع الى  هراء صادق...
 
 وصلت الى حافة الكراهية بعد اشهر قصيرة من خطبة بدأت بسيل منهمر من العواطف والقبل المختلسة والاحلام العريضة وانتهت بى وانا اغلق تليفونى فى ارف عند رؤيتى لأسمه يومض على شاشته..وانا ادرك ان الحياة المشتركة عطشى لاكثر من فقط الحب. وان التفاهم والشراكة يحتاجان اكثر من اتفاق جسدى او عاطفى ... واكثر بكثير من قائمة وهمية باولويات وضروريات لا محل لها فى الحياة الفعلية. 
                                                                             
ابتسمت وانا ازفر فى استغراب فلازال بعد كل هذه السنوات الرجل الوحيد الذى احببت فعلا... اليس عجيبا ان احساس الحب  يظل مختزنا داخلك دون ان يرتبط زمنيا او عقليا بما بعد ذلك او قبله او ما حوله من ملابسات؟... وكأن ذكرى تلك اللحظات تجمدت وانفصلت تماما عن الزمن فى حجرة صغيرة معزولة داخل رأسك ضد الماء والضوء ومزيدا من الذكريات وعديدا من لحظات الحب الاخرى ......
 
بعدها قررت ان افرغ قاع رأسى من اى مقاييس او مبادئ او طلبات...... آمنت من قلبى اننى سأنتظر وسأعرفه عندما اراه ... سوف اعلم انه هذا  هو الرجل الذى ابحث عنه....الرجل المناسب
وبالطبع وكما هو طبيعى عشرات المناسبين مروا مرور الكرام واحيانا مرور الانذال.... الواحد تلو الاخر   .. وكل مرة اقول خلاص انتهى الامر لقد وجدته....وانغمس حتى قمة رأسى فى حالة من العشق الكامل، وبعد اشهر قليلة وربما اسابيع او حتى ايام اصل لنفس النتيجة، انظر الى نفسى فى المرآة واحاول اكتشاف اذا ما كانت علامات الغباء تظهر على وجهى بهذا الوضوح.
 
"تن.....تن.......تن.......تن.....تن - الخامسة صباحا"
عندما بلغت السابعة والعشرون لم اكن افكر فى الزواج ولا حتى الحب، كانت الحياة رائعة انغمس بكل طاقاتى فى عوالم جديدة اغزوها كل يوم، ويظل الحب زائر لطيف خفيف يذهب ويأتى دون اثرا فى القلب او الذاكرة
 
فى التاسعة والعشرون بدأ القلق، كان الرجال الذين اقابلهم فى حياتى يتناقص عددهم بصورة مخيفة خاصة من كانت رجولتهم تتعدى الملامح الذكورية فقط، وعلى الرغم من تفجر انشطتى العديدة لتشمل الرحلات والمسابقات واللقاءات والعمل والخ الخ الخ.. الا انه لدهشتى لم تنجح كل تلك التقابلات فى اثراء حياتى بالرجال كما كنت اهدف فى حقيقة الامر ... وعلى العكس، كانت الفتات التى تبقى من كل رجل داخل رصيد ذاكرتى   تقتل  جزءا صغير فى كل مرة  من قلبى وتحيله الى ما يشبه قطعة اللحم الساخنة التى تضعف نبضاتها قليلا قليلا حتى تتلاشى تماما..
 
فى الثلاثون اصبحت كلمة احبك من اى رجل بلا معنى فعلى... لانها عادة تتوقف عند حدود الاحرف الاربعة لا غير...ولم اعد حقا انتظرها وعادة اتحول الى المرأة الجليدية عندما استقبلها... وافكر فيما يا ترى تعنيه تلك الكلمة الآن ... اى شئ الا الحب فعلا.. ربما يقصد اريد ان اصادقك.. ان اتكلم معك لدرء الفراغ فى حياتى، ان تزورينى وحدك فى منزلى....ان تنامى معى .. أى شئ ما عدا ذلك الحب الذى كنت انتظره وافهمه ...
 بعد سنتان تقابلنا فى احد المناسبات العائلية،  كنت انت قد بلغت السابعة والثلاثون و تريد ان تتزوج بعد ان اكملت ثمن الشقة والسيارة ولم يتبقى الا اكمال نصف دينك بعد ان عشت بنصفه الاخر فقط كل تلك المدة يا حرام... وكنت انا اريد ان اترك منزل والدتى التى اصبحت لا تتوقف ابدا عن الشكوى للجيران والاقارب وراكبات مترو الانفاق من حالتى  المثيرة للشفقة لاننى  الوحيدة فى العائلة التى لم تتزوج حتى الآن... وبدا ان لدينا نفس الدافع والحماس لحمل اللقب لاسباب مختلفة..... اعجبتك لاننى بدوت مرشحة مناسبة لتصبح زوجتك... الطول مناسب، الشكل مناسب، العائلة طيبة جدا وليس لديها طلبات خزعبلية  بالطبع "لانها تريد التخلص منى" .. سألتنى السؤال الشهير، لماذا لم تتزوجى حتى الآن، كرهتك ساعتها قليلا واجبتك الاجابة الكلاشيه "النصيب".. لماذا يصر الناس على اختزان عقولهم داخل قواالب مكررة الى حد الابتذال.... عضضت نواجذى وابتلعت فكرى النقدى الفورى، تذكرت مديرى فى العمل " لابد ان تتنازلى...".وحاولت الا اتوقف عند احساسى بافتقاد اى عاطفة من ناحيتك... قررت ان ارضخ لقالب الزواج التقليدى والا افكر فى احلام ايقنت استحالة تحقيقها منذ زمن.  
 
"تن... تن... تن....تن.... تن....تن...السادسة صباحا"
فى اول شهر كانت الحياة غريبة ومختلفة .. رجل لا اعرفه.. اعيش معه فى اليوم اربعة وعشرون ساعة حتى وانا لست معه.... يرانى واراه فى اسوأ لحظاتنا وافضلها....  أتذكر ليلة زواجى.. كنت مهيأة لأسوأ الإحتمالات.. كان لابد أن انسى كل ما تصورته فى خيالى..واستعد لتقبل فكرة أن الواقع أمرا مختلفا تماما وأن النتيجة الوحيدة لتوقعاتى الضخمة سوف تشبه توقع رؤية النجوم الساطعة فى سماء الغرفة مع اول قبلة...
 
 كنت استعد لأسوأ ما يمكن...ولكن الواقع كان أسوأ من الكارثة بمراحل.... لا يوجد ما هو أسوأ من أن تلفح وجهك أنفاسا حارة غريبة وتستمر غريبة، لا تعتاد أبدا على رائحتها أو حرارتها أو حميميتها.. تظل أبدا أنفاسا غريبة مقتحمة.
 
هل كرهت يوما اعتيادية الأشياء إلى درجة الرغبة فى ان تكون أسوأ ما يمكن عوضا عن أن تكون مألوفة إلى حد الجنون. هكذا اصبحت احس مع الوقت...أصبحت اكره لحظاتى معك. أحس مع نهاية كل يوم أن جزءا من انسانيتى وروحى قد تم استهلاكه.....وكل آلامى لا تصاحبها اى اثارة  تقلل من ضراوتها.
 
كنت رجلا عاديا الى درجة مرهقة.. لا تريد شيئا من الحياة سوى مرور اليوم بسلام... وما كان يستفزنى اكثر انك كنت تتقبل جنونى بلا رد فعل... تشاهدنى وكأنك تتفرج على فيلم عربى جديد ليس له محتوى ولكنك لا تملك وسيلة اخرى افضل لاضاعة الوقت.... لم تكن تناقشنى.. ولا تتحدانى.. ولا تجبرنى.. ولا توافق على ما اقول.... لا لون ولا رائحة ولا معنى للأيام ثم الساعات ثم اصبحت الثوانى ايضا مملة كريهة لا ترحل الا بقوة الدفع او الحلم.
اصبح لا يوجد شئ جديد او ممتع او مثير، حتى لمساتنا اصبحت مكررة.. اصبحت احفظ كل جزء فى جسدك وانت ايضا
اصبحت احفظ  صوت خطواتك وانت  ايضا
اعرف ان بعد الغذاء شاي.....وبعد الشاى نوم.........وبعد النوم صحيان
وانك تحب الكنافة وتحب الملح .....وانك عندما تضحك تغمض عينيه
كل الاشياء التى كانت يمكن ان  تثير اهتمامي لاكتشافها أصبحت لا تحرك لى طرفا الآن
كل الأيام تمر دون اثر لاننى لا اكاد الاحظ وجودها حتى تنتهى وتمضى
انت ايضا تمر بك  الايام لانها لابد من ان تمر
انت ايضا قد حفظت وذاكرت كل ردود افعالى
تعرف ماذا يبكينى وماذا يفرحنى
وكلها كانت معلومات للعلم لا اكثر
كنت تعمل  طويلا طويلا وترتا طويلا جدا ايضا
مع الوقت اصبح الروتين عبئا ثقيلا على قلبى
اصبح الحفاظ عليه وممارسته عذابا يوميا
 
"تن.. تن.. تن.. تن.. تن... تن.. تن..تن..الثامنة صباحا"
جنون رتابة الحياة معك اصبح كطوق يضيق على حلقة اكثر واكثر ... أعد لك الإفطار.. نتبادل الأحاديث الروتينية المعهودة حتى أصبحت اكره الكلمات... والغريب اننى فى وسط اهدأ اللحظات اشعر بقمة الرغبة فى أن انفجر فى وجهك بلا سبب...... يذهب كلا منا إلى عمله...
 
 
 
 
الثالثة  مساءا
اتناول غذائى مع زملاء العمل، يوما رائعا ... انهيت محاضرة مؤثرة عن سياسة التفاوض فى المجتمع الشرقى... نعم كنت ماهرة جدا فيما افعل.. على الرغم من اننى افتقدت للراحة فى هذه الليلة، الا اننى استيقظت وقررت استعمال الحيلة القديمة... اذا بذلت مجهودا لتظهرى جميلة .... او سعيدة.... او غير مبالية  بالحياة.. فسوف تشعرين بذلك من الداخل ايضا.. ولذلك ارتديت ذلك الفستان الضيق الذى يظهر مفاتن جسدى الصغير.. اكثرت من الماكياج  على وجهى واخترت ظلال عيون فاتح وربيعى لعله ينعكس على اجواء قلبى..... ثمانى ساعات ... افضل ما فى اليوم بعد النوم.... وقد يأتى اولا اذا كان بعيدا عنك..
 
السادسة مساءا
أنهيت عملى وجلست فى مقهى قريب..... دلفت من الباب وأحسست أن الصمت لف المكان وان الجميع ينظر إلى ويعلم ما سأفعله بطريقة أو بأخرى.... أحسست للحظة أن النظرات تقتحم جسدى كسهام حادة واننى أبدو قبيحة جدا... لملمت معطفى حول جسدى فى قوة...خفضت رأسى ولأنه كان من الصعب أن أتراجع، اندفعت إلى الداخل وجلست على اقرب كرسى فى منطقة مظلمة...كنت اشعر اننى أخونك..احتدم احساسى بالكراهية مرة أخرى.. أخرجت سيجارة من علبة اشتريتها توا.. كانت جزءا من مخططى للثورة.. بالرغم من اننى لا أطيق رائحة السجائر إلا أن رغبتى القوية فى أن افعل أى شئ قد يثير غضبك كانت تعمى كل حواسى.
 
لاحظت شابا فى الطرف البعيد يرمقنى... بادلته النظرات وخطرت على الفور فى عقلى فكرة ان أخونك بالفعل .... وابتسمت ثم أطفأت سيجارتى فى سرعة وقررت أن أغادر قبل أن تكتمل الثورة بما لا يحمد عقباه.. كان جزأ من مخى لا يزال يعمل لحظى السعيد وفكرت اننى غدا سوف افعل ما يحلو لى.
 
تخيلت تلك اللحظات البالية التى تتكرر كل يوم بطعم مشوه كشريط ترك فى الشمس اطول مما يجب.  يرجع كل منا إلى المنزل.. أسوأ الصدف عندما اصل بعدك... أحب إحساس أن أخطو إلى الداخل واجد المنزل خاليا فارغا من ثقلك.. ويصبح لى أنا وحدى....بلا شريك
أما أتعس اللحظات عندما تصل قبلى واجدك بجسدك المترهل تجلس أمام التليفزيون تشاهد شيئا بلا معنى.. وادخل إلى المنزل وكأننى لفحة هواء خفيفة.. تدير إلى وجهك وتنظر إلى نظرة خاوية ثم تدير وجهك مرة أخرى إلى التليفزيون.. لم اشعر أبدا أن لحظة دخولى المنزل لها اى معنى.. وكل مرة تدير وجهك عنى بلا اى إحساس يضيع شيئا ما بداخلى لا أستطيع معرفة كنهه ولكنه يطلق مزيدا من الطاقة السلبية وأحس بانسانيتى  تتلاشى.
 
نتبادل التحيات الروتينية.. تخبرنى عن يومك وابدأ أنا فى إخبارك عن يومى لتقطع حديثى وتطلب منى الغذاء.
اعد الغذاء وأحاول أن أخبرك مرة أخرى عن يومى وأملى أن فمك المتخم بالطعام لن يمنحك فرصة لمقاطعتى.. إلا انك تفتح فمك مرة أخرى لتطلب كوبا من الماء وتنثر بقايا الطعام فى وجهى.. لا اعلم لماذا يطلب الرجال دائما ذلك الطلب العالمى ....كوبا من الماء.. قبلك اخى وقبله أبى.. هل إحضار كوبا من الماء أو الشاى عملا مضنيا لدرجة أنهم دائما يكلفون شخصا أخر به.. أم أنها فقط روعة أن تتوهم ان ما تقوم به هام ومضنى ويدعو الامر لان يخدمك الاخرون لا سيما النساء.... هؤلاء الرجالّّ!!!!.
 
ترجع أنت إلى مقعدك أمام التليفزيون وارجع أنا إلى دوائرى الروتينية.... المطبخ يتبعه المطبخ..يتبعه جمع ما تخلفه أنت فى كل مكان... ثم يصل اليوم فى ثوان إلى نهايته...والقى بجسدى المنهك إلى جانب جسدك الغريب ورائحتك وصوت أنفاسك يحيطان بى من كل اتجاه.
 
لماذا لم أتركك؟؟ سؤال وجيه...والسؤال الأوجه الذى يتبعه دائما وماذا بعد أن أتركك!!!! كنت دائما اشعر اننى لو تركتك فسوف تنتهى الحياة ولن أستطيع أبدا أن ابدأ من جديد... كنت اسأل نفسى دائما هل لدى الشجاعة الكافية لمواجهة اللقب الشهير.. أرجوكم لا تخبرونى أنى متأخرة وان المجتمع الحديث لا يهتم بالألقاب وان المرأة الآن مثل الرجل.. كلنا نعلم أنها شعارات تبتعد كثيرا عن نبض الحياة الواقعية..  بالرغم من اننى اعمل وربما يزيد دخلى عن دخل زوجى.. بالرغم من أننى لم اشعر أبدا أن غيابه قد يوقف دوران الساعة أو حتى يؤثر على انتظامها...إلا أن الحياة فى تعاسة مع شريك أسهل من إعلان الفشل على الملأ... لن أستطيع أن أحيا وحدي لاننى ما زلت شرقية ولن يكون الأمر سهلا إذا تمسكت بشرقيتى .. كنت اشعر اننى ربما لن أستطيع الحياة وحدى وسط مجتمع يعتبر السواد الأعظم منه المرأه نصف فرد غير كامل......كنت اضعف من مواجهة مثل هذا  التحدى.
 
وربما فى داخلى لم يكن لدى القوة الكافية أبدا لأتركك.... وفى الحقيقة لم أحس أبدا أن اسبابى قد تكون مقنعة للآخرين وأنا كنت احتاج أن أبدو مقنعة...
                                                 
اعترف بان احساسى فى البداية كان مختلفا.. كنت اشعر بالأمل والتفاؤل... كنت اردد لاصدقائى بتجاربهم السلبية دوما وبكل ثقة وفخر.."أنا سأكون مختلفة... ولو كان لا يوجد سواى مختلفا فى العالم.. أنا سأصنع سعادتى.. انتم اضعف من الظروف ولكننى قوية....سوف أحيل كل شئ لصالحى" ولكن كل يوم كان جمودى واستسلامى يزيدان.. هل شعرتم بهذا الإحساس من قبل.. عندما تصحو صباحا وفى غمضة عين تجد نفسك تستعد للنوم ويتكرر ذلك يوما بعد يوم... يمر اليوم ولا أكاد أشعر بالساعات واجد نفسى فى نهايته القى بجسدى المتعب على الفراش.. واجد أن كل خططى للمقاومة .. كل افكارى عن السعادة..عن الحرب من اجل البقاء والاستمرار..عن المستقبل المشرق....... كل شئ مجرد فكرة... فرق كبير بين أن تفكر وتحلم وتنوى وبين أن تفعل وتحيل رسومك الكاريكاتورية إلى مشهد حى نابض.
 
 
اليوم قررت أن أتركك... ومع اننى أقرر كل يوم أن أتركك إلا اننى اليوم بالذات عرفت أنها لن تكون مجرد فكرة أو حلم.. لاننى أحسست اننى لو لم أتركك اليوم ربما أقتلك او ربما اقطع حياتى بكارثة مروعة.
 
استجمعت شجاعتى.. حاولت أن أتذكر كل شئ سئ فيك كل نظراتك الفارغة كل لمساتك المقتحمة.. كل ما تمنيت أن تقدمه لى ولم تستطع... كل ما كنت ابحث عنه ولم أجده لديك.... وبالرغم من أننى لم أجد ما يكفى لشحن كراهيتى إلا أن ذلك لم يغير من احساسى شيئا... كنت اريد ان اثور على شيئا ما لم افهمه... ولكن تلك الطاقة المدمرة كانت لابد ان تخر بطريقة او بأخرى.
 
"الثامنة مساءا"
اقتحمت المنزل وأنا ابحث عنك بعيناى فى كل مكان.. كنت أريدك أن تكون موجودا وكنت لا أكاد أطيق الزمن لألقى إليك بقنبلتى وارى بعيني الظافرتين تأثير الصدمة عليك.. وأتخيلك وأنت تطلب منى فرصة أخرى لنحاول إنجاح حياتنا وأنا ارفض بإصرار.. وأفكر فى كل الحجج التى ستقولها... والوعود انك ستكون أفضل... ورفضى أيضا بإصرار...
 
ها أنت تجلس فى مقعدك المفضل وتبدو وكأنك تشاهد التليفزيون.. إلا أن التليفزيون مطفأ
 
-          انا: أريد أن أتحدث معك فى موضوع هام
-          انت: وأنا أيضا
-          انا: حسنا دعنى أتكلم أولا لاننى اعتقد أن ما سأقوله لك سيغير أشياء كثيرة
-          انت: عزيزتى اجلسى لدقيقة...
بعد صمت جلست وأنا انتظر بلا صبر
- انت تنظر الى فى هدوء كهدوئك دائما:  لقد فكرت مليا ووجدت اننى تعس  معك... وانك لن تكونى أبدا سعيدة معى.. ووجدت انسانة تشاركنى صمتى ووحدتى...وكلامى الفارغ وسذاجتى...نمزج أنفاسنا سويا... فى عيناها بعض الحياة عوضا عن نظراتك الباردة دوما...سوف تذهب معى إلى رحلات صيدى التى تكرهيها بشدة وسوف اذهب معها إلى حفلاتها الموسيقية التى لا تستهوينى كثيرا..انسانة لم تجبرها الظروف لتعيش معى... ولكنها تريد فعلا ان تعيش معى.. معى انا بكل ما فى مكوناتى ..بكل طرائفى واركانى المظلمة... انا وليس مجرد تمثال يسد خانة ما فى الحياة... أثق أنها ليست مفاجأة بالنسبة لك..عزيزتى سوف ارحل الآن..أتمنى لك حظا سعيدا
 
وامتدت يده إلى حقيبة جانبه أراها لأول مرة الآن..ووسط صمتى وذهولى .. خطا سريعا نحو الباب وكأنه يحاول أن يسبق اى كلمات قد تندفع من فمى.
 
"الثامنة وعشرة دقائق مساءا"
سمعت صوت انغلاق الباب وساد السكون ....أحسست برأسى فارغا إلا من صور بلا صوت وبلا بعد آخر... كنت أريد أن أناديه ليرجع... كنت أريد فرصة أخرى.. ونظرت حولى.. ولم اسمع إلا صدى الصمت... وادركت ان طاقتى المدمرة قد نالت منى.....اولا
 
قصتى المنشورة فى كتاب السابعة والنصف مساء الاربعاء من زمان:)
 
 
...............................................

الثلاثاء، 7 يناير 2014

تن تن تن قصة قديمة

"تن..... تن - الثانية صباحا"
على الرغم من توحش الصيف فى السنوات الأخيرة الا أن ولائى له لم يتغير... وفى الوقت نفسه لم ينجح الشتاء أبدا فى كسب تعاطفى .. منذ بلغت الثامنة  كانت  كل  طرق التدفئة التقليدية واللاتقليدية يقابلها الفشل الذريع بدءا من  الدفاية الحرارية  الى البطانية وقربة المياه الساخنة المصاحبين لى فى كل مكان.. ومع مرور ايام الشتاء الباردة القصيرة اعتاد على الجلوس كعجوز متآكلة السنوات متلفحة متوثرة .. اشاهد اطرافى تميل للون الازرق ...ثم الاسود...ثم تجف، اتذكر الى الان حرقة الجلسرين النارية فى مواجهة جلدى المشقق بضراوة  للتخلص من الخشونة التى تحول اطرافى الى حوافر متوحشة...
 
.دائما كنت اكره الشتاء.. بضبابه وظلامه المبكر، ببرودته التى تنتقل لدهشتى الى كل ما هو انسانى...
 
وربما  اكرهه اكثر لان غربته  تذكرنى بغير استحياء بافتقادى الى جسد يعانقنى ويلهب اجوائى.... اليس كذلك ؟..دائما كنت اتساءل هل  تزيد البرودة من احساسنا باليتم والخواء ام  ان  الخواء هو الذى يزيد البرد قسوة خشونة؟  
ايا كان..فقد كرهت دائما هذه الدائرة المغلقة من البرد والخواء يتبعه البرد يتبعه الخواء دون معرفة اى بداية بغيضة قبل الاخرى.
 
..  ولكننا لسنا فى الشتاء بل فى عز يوليو ... ولا يوجد تكييف ولا مروحة حتى تعمل  فى اى مكان.. كل الظروف مهيئة  لمزيد من العرق والرطوبة والسخونة. فما سر تلك القشعريرة الباردة التى تلازمنى اذا؟
 
 نظرت إلى جسدك الملقى الى جانبى فى اهمال  ...زفرت فى زهق ...  على الرغم من ابتعادى الى الحافة الا ان تلك الطاقة الباردة التى تنفجر منك زحفت الى حدود جسدى  واحاطت بى كحوائط زنزانة تضيق فى بطء على حدود  جسدى حتى تكاد تسحقه.... اغمضت عيناى ..حاولت ان اركز فى الظلام على لون الغرفة الازرق الذى اخترته بنفسى  وكرهته انت على الفور، واحببته انا اكثر لذلك..... اندمجت مع الحوائط للحظات الا انه فى جدار عيناى انطبعت صورة وهمية تماثل فى رسمها نفس تفاصيل جسدك... اغمضت جفنى بشدة حتى كادت مقلتاى تنفجران.. ولكننى نجحت فى فرض ظلام بلا الوان  بدأ يسيطر فى هدوء.. انسحبت الصورة الباهتة من جدار جفنى.... وكدت ادخل الى هدوء الظلام.... رويدا..رويدا......
 
 
" تن... تن.... تن  - الثالثة صباحا"
 صوت شخير يعلو فى تتابع منتظم ..ذكرنى على الفور بالصينين عندما كانوا يعذبون المساجين بقطرات من  الماء تسقط على رؤوسهم قطرة بعد الاخرى حتى تنفجر رأسهم من الجنون....حملقت بعيناى فى الظلام  فى يأس.. لم يكن هناك مفر.
فى هدوء وحتى لا اوقظك ونبدأ حديث ممل بعد ان اخيرا اكتفيت فقط بشخيرك ، مددت جزعى الى الوراء واستندت برأسى على وسادتى، اخذت افكر كيف انتهى بى الامر الى هذا الحال، سجينة فراشى .... اسوأ ما يمكن ان تعطيه لك الحياة، ان تكون مسجونا فى غرفة مفتوحة الابواب...غير قادر على النوم والهرب الى اللاوعى الرائع ولا على الاستيقاظ ومواجهة الوعى التعس... اما قمة التعاسة هو ان تكون وحدك فى هذه الدائرة بلا نهاية...والى جانبك جسد بارد فى كوكب اخر...يستغرق فى النوم وكأنها اخر ليلة فى الحياة...
 
"اكمل غدا"