الجمعة، 14 مارس 2014

ساعتين من الفراغ
أخبرتهم ان لدى موعد مع الطبيب. .موعد هام جدا لا يمكن تاجيله
المشكلة انه عدا الاحباط والسكون الشديدين.. كنت ابدو على ما يرام.. اخترت الحجة الاقرب الى التصديق ...اسنانى.. لدى تسوس فى طريقه للجذور.. لا تحتاج الى الارتياب فى المظهر الصحيح..
وعلى الرغم انه غالبا اذا خرجت من الباب وهمست اننى راحلة لبعض الوقت ..لم يكن احد ليسمعنى فى الحقيقة ..ربما هى ..رغبتنا فى التصديق ان الحياة تتوقف علينا .
اخبرتتى انها ستكون موجودة حتى اعود .. ولكن كان على وجهها تلك النظرة.. نظرة اننى ساقوم بالمهمة ولكننى لن استمتع بها.. نظرة. .. على فكرة .. انا لدى حياتى وما افعله حتى وان لم يكن شيئا على الاطلاق.. على فكرة ..تلك خدمة .....
فى ظروف اخرى ومع حساسيتى العالية وروعة جلد الذات.. كنت سأعود ادبارى لمجرد إيحاء النظرة ...ولكنن معدتى كانت تؤلمنى بشدة.. وكانت لدى رغبة فى ان اتنفس ..
اليوم كان شتويا مفاجئا ..كعادة الشتاء فى مصر..نعرف انه الشتاء ..ونكون فى منتصف فبراير او يناير ..ثم تعمنا الدهشة والمفاجأه عند سقوط الامطار..وإذا رأينا البرق وسمعنا الرعد..اصبح اليوم مشهودا فى حياتنا ..تتعالى الادعية ..وأهات الاستغراب والخوف والمفاجأة مرة اخرى.
اتذكر اننى كنت فى رحلة فى جنوب افريقيا ..والظلام فاجأنا ونحن نقود سيارتنا المؤجرة بحثا عن الموتيل الذى قمنا بالحجز فيه عبر الانترنت. دون اى معرفة سابقة ..وكان فى وسط احراش بلا نهاية..كنا نقود ليلا لساعات وسط طريق ممهد بالكاد ومصابيح السيارة تنعكس على الارض الحمراء. لمترين او ثلاثة ..وعدا ذلك كنا كائن متطفل على ظلام دامس يغرق كل ما حولنا... خيالاتنا كانت توهمنا كل دقيقة ان شيئا ما يطاردنا..ربما يكون اسدا او نمرا... او ان الطريق لا ينتهى بالفعل ولربما ضللنا الطريق فى وسط غابة مثل احد الافلام الافريقية المرعبة.. ثم نخبر انفسنا فى صوت عالى .. يا جماعة فيه جى بى اس (محدد مواقع) يا جماعة احنا مش فى قويسنا ولا قرية فى الهند... البلد متقدمة اكتر من اوربا.. ونصمت عندما يمتد الظلام ساعة اخرى دون ان نصل لشئ..ثم فجأه بدأ المطر والرعد والبرق..كل ما رأيته من برق فى مصر فى حياتى كلها لا يقترب قيد انملة مما رأيت.. كان البرق بكل الالوان..يندفع من السماء الى الارض فى خطوط متشابكة ملونة منيرة وكأنها شجرة الحياة.. وكنا نرى السماء..وكنا نرى باطن الارض.
لم يكن هنالك حائل فى تلك المساحة المهولة..لا يوجد مبنى او دخان او شئ يعوق امتداد السماء الى الارض..اما معجزة البرق الملون..فقد استمرت لساعات..بعد هذا البرق ..لم يعد البرق يخيفنى.. او يدهشنى
الى الزمالك حيث كان موعد درسى بعد ساعتين.. .
كان الجو ممطرا وعلى عدم امتنانى للشتاء الا انه احيانا كثيرة تتغير تفضيلاتنا مع الوقت.ودون تحذير ودون تمهيد. كنت فى وقت ما اكره الالوان.. وكنت مدمنة للبنى والاسود والرمادى.. وبعد سنوات طويلة ضائعة ..بت لا اعلم كيف مضت الحياة دون الكثير من الاحمر ولون الشمس.. والابيض والبنفسجى.
وكذلك كنت ولدهشتى الشديدة اواجه الرياح القوية والمطر والبرد بمزيج من السعادة وحسن الاستقبال.. انا من كنت فعليا ادخل البيات الشتوى عند اقتراب الشتاء..اول من تتلفح بأردية الشتاء فى مصر وآخر من تتخلى عنها.. ذات الاطراف الزرقاء فى الشتاء وبطانية كهربائية تحت الملاءة واخرى عادة فوفها ولحاف ثقيل للتأكيد
كنت اسير ورأسى للسماء واتنفس هواء القاهرة النظيف فى ندرة المطر فقط.. واتنفس... هل شعرت يوما انك تتنفس هواء ولكنه لا يدخل ..لا يكمل الرحلة الى صدرك..ولا دماءك ولا عروقك..ان جسدك تحول الى مضخة الكترونية مفرغة من شئ ما
.. شئ ما هو الفارق ما بين المضخة والقلب ...
كان الهواء منعشا ..اخذت اتنفس بعمق ..بعمق وكأنها آخر انفاسى.. كانت له رائحة اخرى وطعم آخر ..صرت امشى على غير هدى..ثم الى شوارع الزمالك الجانبية.. اتأمل كل مبنى.. كان الصمت والسكون والسلام داخل الشوارع الجانبية غير شارع 26 يوليو وثورته تماما .. .. فى الشوارع الجانبية يوجد تاريخ مختفى وسط ثنايا الفيلات القديمة وحدائقها التى تحمل الف حكاية .. والمبانى النادرة
قبل سفارة هولندا عمارة صوت فيها مشاهد فيلم شروق وغروب فى شقة الزمالك الشهيرة . سور العمارة علامة معمارية ..كيف كنا نصنع الاشياء بهذا الجمال وكيف اصبحنا نرتضى بهذا القبح ... بائع ورد ...يرص ازهاره الغير تقليدية فى اوعية بيضاء بلاستيكية طويلة ..يقف على ناصية مهجورة ..لابد ان له زبائنة.. مجرد رؤيته بزهور التيوليب والزنبق توحى بالفرحة ..
فيلا زنكى..ترى هل له قرابة بمحمود الدين زنكى.. ما هذه الروعة..
لا زالت المضخة مفرغة.. كانت معدتى تؤلمنى بشكل غريب.. كنت اشعر بأنها مفرغة.. كان مزيج من الجوع والحاجة لشئ ما يملأ الفراغ.. لا اعلم اذا كان طعاما ام شئ اخر.. ربما احتاج لطعام يفتح الشهية للحياة..تذكرت قصة البطلة التى فقدت احساسها بالطعام.. او لذته .. وذهبت الى ايطاليا لتسترجع لذه الاستمتاع الأكل... ربما انا احتاج لاسترجاع تلك اللذة ..هل هى لذة الطعام بالفعل ..او لذه التمتع..باى شئ!
...
ربما بعض العيش الطازج من خميرة.....ربما بعض السوشى..السوشى يسعدنى... لا شئ.. لم آكل منذ يوم كامل..ولا شئ يثير حفيظة شهيتى.. كيف ذلك.. .. ماذا افعل لملئ تجويفى الفارغ.. الم معدتى يزاد.... كانت وكأنها بدأت تلتصق بجلدى..
أخذت اسير ...واسير..بعضا من المطر... وانا اسير.. اقع فى بقع المياه العميقة من آن لآخر.. تبتل قدمى قليلا..الهواء يضرب وجهى.. واتنفس.. بعمق ..وعمق اكثر.. واملأ عمقى بهواء بارد بلا رائحة..واستمر فى السير..والتف حول فيلا زنكى عشرات
المرات..احاول ان ارى احد الساكنين بالاببض والاسود ...او غرفة عبر ستارة تركت مفتوحة سهوا.. واسير واسير
عمقى يمتلأ بالهواء