الثلاثاء، 7 يناير 2014

تن تن تن قصة قديمة

"تن..... تن - الثانية صباحا"
على الرغم من توحش الصيف فى السنوات الأخيرة الا أن ولائى له لم يتغير... وفى الوقت نفسه لم ينجح الشتاء أبدا فى كسب تعاطفى .. منذ بلغت الثامنة  كانت  كل  طرق التدفئة التقليدية واللاتقليدية يقابلها الفشل الذريع بدءا من  الدفاية الحرارية  الى البطانية وقربة المياه الساخنة المصاحبين لى فى كل مكان.. ومع مرور ايام الشتاء الباردة القصيرة اعتاد على الجلوس كعجوز متآكلة السنوات متلفحة متوثرة .. اشاهد اطرافى تميل للون الازرق ...ثم الاسود...ثم تجف، اتذكر الى الان حرقة الجلسرين النارية فى مواجهة جلدى المشقق بضراوة  للتخلص من الخشونة التى تحول اطرافى الى حوافر متوحشة...
 
.دائما كنت اكره الشتاء.. بضبابه وظلامه المبكر، ببرودته التى تنتقل لدهشتى الى كل ما هو انسانى...
 
وربما  اكرهه اكثر لان غربته  تذكرنى بغير استحياء بافتقادى الى جسد يعانقنى ويلهب اجوائى.... اليس كذلك ؟..دائما كنت اتساءل هل  تزيد البرودة من احساسنا باليتم والخواء ام  ان  الخواء هو الذى يزيد البرد قسوة خشونة؟  
ايا كان..فقد كرهت دائما هذه الدائرة المغلقة من البرد والخواء يتبعه البرد يتبعه الخواء دون معرفة اى بداية بغيضة قبل الاخرى.
 
..  ولكننا لسنا فى الشتاء بل فى عز يوليو ... ولا يوجد تكييف ولا مروحة حتى تعمل  فى اى مكان.. كل الظروف مهيئة  لمزيد من العرق والرطوبة والسخونة. فما سر تلك القشعريرة الباردة التى تلازمنى اذا؟
 
 نظرت إلى جسدك الملقى الى جانبى فى اهمال  ...زفرت فى زهق ...  على الرغم من ابتعادى الى الحافة الا ان تلك الطاقة الباردة التى تنفجر منك زحفت الى حدود جسدى  واحاطت بى كحوائط زنزانة تضيق فى بطء على حدود  جسدى حتى تكاد تسحقه.... اغمضت عيناى ..حاولت ان اركز فى الظلام على لون الغرفة الازرق الذى اخترته بنفسى  وكرهته انت على الفور، واحببته انا اكثر لذلك..... اندمجت مع الحوائط للحظات الا انه فى جدار عيناى انطبعت صورة وهمية تماثل فى رسمها نفس تفاصيل جسدك... اغمضت جفنى بشدة حتى كادت مقلتاى تنفجران.. ولكننى نجحت فى فرض ظلام بلا الوان  بدأ يسيطر فى هدوء.. انسحبت الصورة الباهتة من جدار جفنى.... وكدت ادخل الى هدوء الظلام.... رويدا..رويدا......
 
 
" تن... تن.... تن  - الثالثة صباحا"
 صوت شخير يعلو فى تتابع منتظم ..ذكرنى على الفور بالصينين عندما كانوا يعذبون المساجين بقطرات من  الماء تسقط على رؤوسهم قطرة بعد الاخرى حتى تنفجر رأسهم من الجنون....حملقت بعيناى فى الظلام  فى يأس.. لم يكن هناك مفر.
فى هدوء وحتى لا اوقظك ونبدأ حديث ممل بعد ان اخيرا اكتفيت فقط بشخيرك ، مددت جزعى الى الوراء واستندت برأسى على وسادتى، اخذت افكر كيف انتهى بى الامر الى هذا الحال، سجينة فراشى .... اسوأ ما يمكن ان تعطيه لك الحياة، ان تكون مسجونا فى غرفة مفتوحة الابواب...غير قادر على النوم والهرب الى اللاوعى الرائع ولا على الاستيقاظ ومواجهة الوعى التعس... اما قمة التعاسة هو ان تكون وحدك فى هذه الدائرة بلا نهاية...والى جانبك جسد بارد فى كوكب اخر...يستغرق فى النوم وكأنها اخر ليلة فى الحياة...
 
"اكمل غدا"
 

هناك 3 تعليقات:

حسن ارابيسك يقول...

بالفعل طبيعة المناخ لكل موسم في السنة لها تأثير على الإنسان ولكن هذا التأثير يختلف من شخص لأخر
فكل موسم بلا شك له رجع قديم داخل ذاكرة كل واحد منا يولد لدينا حالة من الشجن سواء هذا الرجع القديم يحمل ذكرى سعيدة أو حزينة
أما الأسوأ في العالم هو أن يشعر الانسان بنفسه وحيداً وهو يجاور نفساً أخرى ولكنها تحيا في عالم أخر غير عالمه
موضوع صعب جداً.. أختيار موفق للكتابة عنه..الحقيقة لم أقرأ وصف دقيق بواسطة حروف الهجاء وكلمات اللغة بل شاهدت منحوتة لمشاعر إنسانية رائعة الصنع

ملحوظة
تن تن تن الثالثة صباحاً
دي بتاعتي أنا من قصة قصيرة قديمة ( خيط منفرد )
أعرف بالطبع انها توارد خواطر
تحياتي
حسن أرابيسك

غير معرف يقول...

جميلة جداً جداً
لديكي قدرة على التعبير ووصف الحالة بعمق شديد وهذا إن دل يدل على واقعية المشهد وهي حالة للأسف صعبة نفسياً وجسدياً على كل من يمر أو مر بها
أكرر مرة أخرى جميل ماتكتبين

-- فريدة البيلي --

Tigress يقول...

فريدة.. لكى جزيل الشكر..تعليقات مثل هذه تدفعنى للتشبث اكثر بالكتابة

حسن العزيز
هذه قصتى المنشورة الوحيدة فى كتاب السابعة والنصف مساء الاربعاء منذ خمسة سنوات او اقل قليلا .. اذا تواردت خواطرى عنك..فما اسعدنى وما نحن الا مزيج من اروع ما عرفنا